مقالات مختارة

السكن و التنمية البشرية المستدامة الشمولية




السكن والتنمية البشرية المستدامة الشمولية

يتجه الوعي اليوم نحو الاهتمام بالإنسان كشرط ملزم لتحقيق التقدم و التنمية لذلك نصادف في هذا القرن و في العقد الأخير من الذي قبله اهتمام متزايد لدى عموم الأنظمة بما ينعث بالتنمية البشرية الشمولية و المستدامة كمدخل للدفع نحو تنامي الوعي بقيمة الإنسان كهدف و وسيلة في منظومة التنمية الشاملة ، و بناء على ذلك كثرت الدراسات و الأبحاث و المؤتمرات لتحديد مفهوم التنمية البشرية و تحليل مكوناتها و أبعادها ، و تؤكد أغلب الخلاصات أن عمليات التقدم و التطور و الازدهار لا يمكن أن تتم إلا بعد أن يتحقق للبشر الكفاية في جملة من العناصر من بينها كفاية المأوى الملائم، فكيف إذن يساهم السكن في التنمية الشمولية ؟


لا مراء أننا لا نحتاج لكي نجيب على هذا السؤال على كبير اجتهاد أو تأمل ما يحدث بعيدا عنا لكي نستشف الكيفية التي يسهم بها السكن في التنمية البشرية الشمولية و المستدامة ، فالمغرب عرف في بداية هذا القرن سلسلة من الأحداث الإرهابية الدموية ، و التي أثبتت أن منفذيها ينحدرون من مناطق سكنية موصوفة بالهشاشة و معروفة بالتكدس العمراني و غياب المرافق الحيوية الضامنة لكرامة الإنسان من ماء و كهرباء و مجاري المياه العديمة و قنوات الصرف الصحي ، ناهيك عن المنشآت السوسيوثقافية كالمركبات الرياضية و دور الثقافة و  المكتبات و دور الشباب و المسارح و غيرها . و بالتالي فإنه ليس من باب المغالاة القول أن الإرهاب في المغرب مرتبط بوثوقية بالسكن العشوائي و الأحياء الصفيحية و من البديهي أن نحمل المسؤولية غير المباشرة لما وقع من أحداث لكل مسؤول عن سياسات تدبير المدن .


و الأكيد أننا لن نختلف في الاستنتاج أن الأحياء التي تنمو بشكل عشوائي أو تلك التي تنشأ بتخطيط متسرع و غير مدروس غالبا ما تسهل الظواهر غير الصحية كبيوتات الدعارة و مراكز البيع غير القانوني للخمور و ترويج المخدرات ، و هي الشروط الضرورية المساهِمة بشكل حاسم في توفر مشاتل التتلمذ على الانحراف و الإجرام و تهديد الأمن العام وبالتالي التأثير على المردودية الإنتاجية للسكان في شتى المجالات ، كما أن محاربة هذه المعضلات يستدعي استنزاف قدر مهم من المال و الجهد و الوقت ، فيهدر دون استثماره في الاتجاهات المساعدة على ازدهار المدن و رفاهية السكان .


و غني عن البيان كذلك أن المدن التي لا يراعى في إحداثها البعد الجمالي و الفني و التعامل الإيجابي مع الثقافة الشعبية و الموروث الثقافي و الحضاري المحلي و الكوني، تحد من تفتق الملكات الإبداعية و الخلاقة الكامنة في قدرات سكانها و تذكي فيهم الإحساس بالتذمر و تعزز لديهم عدم الثقة بالنفس و تخنق فيهم روح المبادرة و تكبت عندهم حسهم النقدي و تربي فيهم عادة التقليد و الإتباع ، و قد صدق المثل الفرنسي الذي يقول:

« les Hommes comme les pommes ils pourrissent  quand on les entasse»


تعليقات
ليست هناك تعليقات

    لا يسمح بالتعليقات الجديدة.




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -