صورة من تجليات العقل المنغلق
بينما أنا في حرم الجامعة أمام
مركز الطبع منتظرا دوري لأنسخ بحثا وضعته على المنضدة، اقترب مني طالب بلحية كثة ويرتدي
حذاءا رياضيا أبيض وجلبابا في نفس لونه وعليه معطف أسود قصير، فرمق في البحث الذي امسكه بين يدي وأنوي طبعه عباراة "
السلفية فرقة" كان واضحا أنها استفزته، فشرع يصحح الأمر لي نافيا مضمونها،
مستظهرا جملة من الحجج التي لا أعلم هل يعرف غيرها أم أنه مجرد شخص حافظ.
والغريب انه لو استمر في
القراءة فقط بضعة أسطر كان سيجد في البحث كل الكلام الذي فاه به وزيادة، وعندما
هممت مقاطعا لأشرح له أنه قبل النقد عليه بقراءة البحث بمجمله وأن عملية النقد لا
تطلق هكذا على عواهينها ولا يمكن أن تتم إلا بعد استفاء خطوات علمية ومنهجية، لم
يترك لي من الوقت إلا لأنبس بكلمة واحدة " النقد" التي التقطها من بين
شفتاي وقال " النقد.. نعم النقد النقد "، ودون أن يتعرف على هويتي، التفت
إلى طالب آخر بجانبه وقريب من هيئته، وشرع يحدثه في انكار تام لوجودي قربهما قائلا
له :",. يا أخ إن الطلبة لا يعرفون ولا يعلمون و من واجبنا نحن أن نوجههم و
نعلمهم.." .
إن هذه الواقعة التي حدثت معي
على الرغم من بساطتها، غنية بالدلالات والرموز، وتوضح أن هناك بعض الناس يرون
أنفسهم ملاك للحقيقة وأن غيرهم قاصر ينبغي تسفيهه و إقامة الوصايا عليه، مجسدين
بذلك إحدى تجليات العقل المنغلق الذي لا يؤمن بقيم الحوار ولا يهتم إلا بالإكراه والإفحام
. و الذي كانت له السيادة التقافية والسياسية فتسبب في انحطاطنا وتخلفنا منذ قرون
إلى الآن.
من بوميات طالب جامعي.
