مقالات مختارة

ذكريات من أيام الثانوية





ذكريات من أيام الثانوية 1


على غير العادة قررت إدارة الثانوية هذا الموسم أن تخص كل قسم بقاعة خاصة، فكان من نصيبنا حجرة جديدة، بالطبع ليس بذلك المعنى الذي يفيد جدة بنائها، بل فقط قاعة إضافية ضمت للمؤسسة، بعد التصرف في مرافقها وجدرانها، وبتعبير أدق بالعبث وتشويه معالمها، نباهة الإدارة اهتدت لهذا الحل، كوسيلة للتخفيف من حدة الاكتضاض الذي بلغ حدا لا يطاق، مع العلم ان التلفزيون قد أعلن في وقت سابق انه تم تخصيص ميزانية ضخمة لإصلاحها، وقد قدر بعض "الخبراء" أن تلك الميزانية كافية لإحداث مؤسسة أخرى، فثانويتنا العتيدة مهمة ومعلمة تاريخية تعود لسنة  1926,

حجرتنا الجديدة، التي سنضل فيها أربعة ساعات على الأقل في اليوم ولمدة سنة كاملة، تقع تحت مواسير الصرف الصحي لمراحيض الداخلية، وقنوات التصريف تؤثث مؤخرة القاعة، فكانت حركية المياه القوية طيلة الحصص الدراسية تؤثر على انتباهنا، أما الروائح الزكية المتضوعة منها فكانت تزكم أنوفنا وتلهب أعيننا، الوضع مع مرور الوقت أصبح لا يحتمل، خصوصا بعدما أصبحنا، نحن التلاميذ، محط استهزاء باقي أقراننا، وبدأ الجميع يشير إلينا بالأصابيع حتى لا اقول "البنان"، وعندما نتحرك في الممرات يفسحون لنا الطريق، وإذا اقترب أحدنا من الباقين يقال له:" بعد منا فيك ريحت لخرا"، كانت حدة هذه المماحكة قاسية على بعضنا، فينخرط في عراك دامي.

بعد تفكير اجتمعت بباقي التلاميذ وقررنا التواصل مع الإدارة، في البداية وافق الكل على المقترح فقصدنا مكتب الناظر، ظل عددنا يتناقص على طول الطريق، وجدتني أمام مكتبه رفقة عشرة زملاء ونيف، العدد كان مقبولا، الناظر لما رمقنا استعجل لقاءنا قبل الدخول إلى مكتبه، فعاجلنا بالاستفهام الذي لا يخلو من التعجب :
" مالكوم نتوما أش عندكم؟
قلت: لقد جئناك لنتحدث إليك بشأن القاعة التي ندرس فيها؟
ما بها القاعة؟
أنها غير صالحة للدراسة ورائحتها كريهة، ولا نتمكن من المكوث فيها."
تنهد بعمق فأردف :" أه نعم القاعة، أريدكم فقط أن تعرفوا أن هذه السنة لدينا مشكل كبير في الحجرات وبالكاد اسطعنا تدبر هذا الحل، سننظر فيما قد نستطيع فعله لكم، والأن عودوا لاستئناف الدراسة"
فيما ظل الجميع صامتا، وعلى استعداد للعودة بادرته متسائلا:" لماذا نحن وليس غيرنا، ماهي المعايير التي اعتمدتموها ؟ 
".
كان واضحا أن كلامي فاجئه، ولم يملك له جوابا فحدجني شزرا ثم قال: " لماذا تتحدث إليا وأنت تلوح بالمفاتيح(لم أكن ألوح كنت امسكها في يدي فقط)؟ أنأ أيضا أملك المفاتيح ( أخرج العشرات منها من جيب سترته)،ألا تعرف أدب الحديث؟"
نهرني وأمرني بالدخول إلى مكتبه، ثم صرخ في الباقين للعودة من حيث أتوا بكلام بذيء " سيروا تقراو يالرباعة ديال السلاكط ولق...اب"، انفض الجمع من حوله بسرعة البرق وتدفعوا مهرولين بحثا عن منفذ للنجاة .

..يتبع
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -